الأربعاء، 31 يوليو 2019

مغامرتي في الهجرة إلي أوروبا

 

  



 

بعد تفكير طويل قررت أن أشارك إخواني قصتي مع أوروبا، كيف وصلت إليها

 

السبب الذي جعلني أترك بلدي الأصلي والدخول في مغامرة صعبة وطويلة لم أكن أعلم كيف كانت ستنتهي هذه المعلومات للتوعية فقط، ليست  للتحريض على الهجرة إلى أوروبا و لكن لإعطاء مساعدة لمن له مسبقاً رغبة في الهجرة لأسباب شخصية سواءاً  كانت مادية، سياسية، إلخ أحكي هنا تجربتي الشخصية المليئة بالمغامرات مع الهجرة الثورية (الهجرة الغير الشرعية في مصطلح العولمة)إنشاء الله سأحكي لكم مغامرتي تدريجيا، لا أريد تلخيص حكايتيلأن الرحلة كانت طويلة بدأت من تركيا بعد ذلك (اليونان، ألبانيا،كوسوفو،صربيا،هنغاريا،النمسا) وأخيرا ألمانيا

البداية كانت في اوروبا

ولِدت في دولة أوروبية من أبوين مغربِيَيْن، ونظرا لصعوبة تربية الأطفال على الطريقة الإسلامية قرر أبي إرسالي إلى المغرب وأنا عمري 9سنوات. تعلمت اللغة العربية والتربية الإسلامية والحمد لله. في كل عطلة صيفية كنت أزور مسقط رأسي إلى أن وصلت 18سنة في عمري، توجب علي طلب تأشيرة للذهاب، هنا بدأت المشاكل نظراً لبعد السفارة عن مدينتي ب 700كم، فكان ذلك مضيعة للمال والوقت لأن العطلة المدرسية تدوم شهرين فقط مع مرور السنين تقبلت الأمر الواقع ونسيت البلد الذي قضيت فيه طفولتي، أنهيت الدراسة، وبدأت العمل كتاجر، كنت أمتلك دكانَيْن، منزل، سيارة، كان دخلي لا بأس به، كنت مرتاحا ماديا والحمد لله. لكن حلم أوروبا كان وراودني كلما تذكرت ذكريات الطفولة، خاصة مع حلول كل عطلة صيفية التي تزامن دخول المهاجرين المغاربة وقضاء عطلتهم والرجوع إلى أوروبا دون مشاكل

 

في صيف 2009 ذهبت إلى مدينة طنجة التي تعتبر بوابة دخول وخروج الجالية المغربية. مررت صدفة من الميناء وتأملت المهاجرين وأوراقهم في أيديهم مستعدين لإعطائها للجمركي ليطبعها ويمروا دون مشاكل لركوب الباخرة أحسَسْت في تلك اللحظة بنوع من الضعف وعدم الحرية

 

سألت نفسي : ما الفرق بين الإنسان بجنسية أجنبية أوإقامة أجنبية وإنسان بدون؟

 

وجدت الجواب في الحين، الإنسان بجنسية أجنبية أو إقامة أجنبية تخول له حقوق كثيرة في بلده الأصلي وبلده المضيف، له حرية أكبر للسفر دون مشاكل وتعقيدات، الجالية تقدم لهم تسهيلات من طرف الدولة في عدة ميادين أكثر من المواطن العادي بعد هذه اللحظة قررت أن أصل إلى أوروبا لأطلب أوراق إقامتي مهما كلَّف الأمر علي دخول سنة 2010 أصبح هدفي الوحيد هو كيفية الوصول إلى أوروبا، لا أفكر إلا في كيفية الخروج من هذا المأزق أو بالأحرى من هذا السجن الكبير، لأنني لم أعد أُحِس بالحرية، بل سجين بين حدود الدولة، لي الحق فقط في التجول داخلها وممنوع الخروج!! حاولت مرتين بالطريقة القانونية الحصول على تأشيرة شينغن من السفارة ( ... ) ومرة من القنصلية الإسبانية باءت كلها بالفشل، ضَيَّعت الوقت والمال( تقريبا ما قدره 1500يورو بين مصاريف التنقل،الفندق،الفيزا،إلخ

 

شعرت بالإحباط وازداد كرهي لهذه القوانين التي تكبل الشباب داخل قفص وطنهم.

مرت الأيام ونصحني صديق بشراء عقد عمل لإطاليا أو إسبانيا، بحثت، سألت والتقيت برجل يعيش في الديار الإطالية، قال لي أن لديه عقد عمل لمدة 9 أشهر ثمنه 6000يورو، طلب مني نسخة من الصفحات الأولى من جواز السفر، و أَصَرَّ علي أن أدفع له تسبيق يتمثل في 1000يورو، كان له ذلك، ذهب إلى إيطاليا واعداً إِيَّاي بالرجوع إلى المغرب بعد 3 أشهر ومعه العقد في إسمي لأدفعه للسفارة الإيطالية، مرت الأشهر والإتصال باقٍ بيننا عبر الهاتف، وصل الموعد وطلب مني مهلة شهر واحد نظرا لكثرة الطلبات، قلت لا مشكلة، مرَّ الشهر اتصلت به هاتفيا لأفاجأ أنه مغلق!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟


 حاولت مراراً و تكراراً، بحثت عن عائلته حتى وجدت رجلا قال لي أنه ابن عمه، سألته: هل ابن عمك بخير ؟! لأن هاتفه مغلق منذ مدة .


 قال: ما الحكاية؟!


 قصصت عليه كل شيء، وأعطاني جوابا كافيا: إن فلان نصَّاب ينصب على عباد الله فقد نصب حتى على فرد من عائلتنا والعديد من أصدقاء الحي، أنا شخصيا قطعت معه العلاقة منذ مدة طويلة،"غِيرْ نْسَى فلوسك أوخليها على الله هو إخلف عليك..."

 

صُدِمت، لأنني ضَيَّعْت الكثير من المال والوقت أيضاً، ولا نتيجة ولو حتى خطوة واحدة إلى الأمام نحو الهدف?!!!

 

مرت الأيام والصدمة تزول شيئا فشيئا، والثقة بالنفس ترجع تدريجياً.

 

بعد كل هذه المحاولات الفاشلة قررت أن أسلك طريق الهجرة الغير الشرعية، بالأحرى يجب تسميتها الهجرة الثورية، لأنك تثور وتخرج وتخطي جميع العقبات التي وضعوها ليحبسوك في السجن الكبير في هذه الآونة الأخيرة بدأت فكرة تركيا اليونان تنتشر بشكل كبير بين الشباب الراغب في الهجرة، حيث أصبح المرور من شمال المغرب إلى إسبانيا مستحيلا الكثير مَرُّوا من هناك ووصلوا إيطاليا،فرنسا،ألمانيا إلخ هناك من بقي في اليونان لأسباب عدة، وهناك من استسلم و رجع إلى بلده ليبدأ حياة جديدة. 

بداية جديدة


بدأت في الترتيب لهذه الرحلة مادياً ومعنويا، لأنني لم أرد أن أفشل هذه المرة،


سألت الذين رجعوا من هناك عن أدق التفاصيل لرحلتهم، وسألت الذين ما زالوا هناك عبر النت عن الأوضاع ورحلتهم، حتى تبلورت لدي فكرة جيدة عن تركيا (المحطة الأولى) واليونان (المحطة الثانية)، أما كيفية الخروج من اليونان كانت مجهولة عند معظمهم، لأنها الأصعب حالياً، كانت هذه المحطة هي الأهم والأخيرة ، ولم أجمع معلومات كافية عنها، رغم ذلك بدأت أضع وأدرس خطة محكمة، وبدأ العد التنازلي

 

دامت مدة الإستعداد سنة كاملة استعددت فيها بدنيًا (الرياضة، ستحتاج إلى لياقة بدنية جيدة)، ماديًا ومعنويا (الثقة في النفس مهمة جدا)، أخدت الوقت الكافي قبل وصول ساعة الصفر.

 

ويعتبر الإستعداد المادي الأهم، خد وقتك و اجمع المال الكافي (على الأقل 2000يورو!! شخصيا مدة سنة جمعت فيها ما يقارب 3000يورو)، هذا إن أردت فعلا الوصول إلى أوروبا، أما إن أردت أن تبقى حبيس اليونان فتكفيك 500يورو+ثمن التذكرة.

 

اخترت شهر أبريل لبداية الرحلة لأتجنب البرد القارس الذي يستحيل فيه فعل أي شيء، ولكي يكون لدي الوقت الكافي في جو معتدل(الفترة بين أبريل وأكتوبر يجب استغلالها قدر الإمكان)

 

قبل شهر من الموعد دونت كل اللوازم المهمة للرحلة، وجمعتها تدريجيا، وكل مرة أشطب على اسم ما جمعته، واللائحة كالآتي:

 

*حقيبة سفر صغيرة من النوع ذو العجلات (ستحتاجها للتمويه فقط).

 

*حقيبة رياضية(النوع التي توضع على الظهر) "جيدة وليس من الماركة الصينية !!

 

*نظارات شمسية جميلة.

 

*فوطة كبيرة وصغيرة.

 

*ملابس جيدة مقاومة للبرد (2سروال دجين من النوع الممتاز+سروال قطني+معطف+4جوارب+طاقية+...)

 

*هاتف نوكيا جيد(كان عندي نوكيا1200 مدة بطاريته أطول، و فيه مصباح)

 

*حذاء جبلي ألا يكون ثقيلا! هناك عدة ماركات خفيفة الوزن .

 

*حذاء رياضي.

 

*مصحف صغير.

 

بعد ذلك بدأت التحضير للموعد،

 

هاتفت أحد أفراد العائلة في فرنسا يتوفر على mastercard ليحجز لي تذكرة على النت لأنه أرخص من الوكالة (هنا قمت بخطأ لأن التذكرة سترفض في المطار والسبب ستعرفونه فيما بعد)،

 

* حجز لي على موقع العربية للطيران بثمن 230يورو تذكرة ذهاب و إياب

 

*الدار البيضاء ــــ مطار صبيحة/إسطانبول* يوم 07/04/2011 .

 

*حولت ما كان عندي إلى يورو، أخدت معي فقط 1000يورو و1700يورو أعطيتها لرجل من المعارف ليوصلها للذي حجز لي التذكرة في فرنسا (ليرسلها لي إن احتجت للمال، أما من المغرب لا يسمحوا لك ).

 

*دخلت على النت إلى بريدي الإلكترونيgmail وسجلت جميع أرقام الهواتف التي سأحتاج إليها، سجلت فيه صورة الخريطة التي أخدتها من Google maps وهي خريطة الحدود بين مدينة إدرن و اليونان

 

صباح يوم 07 أبريل وصلت مدينة الدارالبيضاء قادما من أكادير،

 

تجولت في المدينة قليلا لأشتري بعض المأكولات ،

 

ثم ركبت القطار نحو المطار الدولي، على الساعة 15فتح شباك العربية للطيران،

 

 انتظرت في الصف حتى وصل دوري، أعطيتهم جواز السفر وتذكرة الطيران،

 

 ثم طلبوا مني فوطوكوبي بطاقة هوية صاحب الMASTERCARD  التي

 

اشتريت به التذكرة، هنا أدركت الخطأ الذي قمت به، اتصلت بصاحبها، بعد بحث طويل

 

 في المطار أعطيته رقم فاكس، لكن الفاكس وصل متأخرا حيث أغلق الشباك و أقلعت

 

 الطائرة بعد ذلك، ذهبت ثمن التذكرة هباءاً منثورا ، لكن تمالكت نفسي وقلت

 

 "كل توخيرة فيها خيرة" والحمد للله على كل حال، لهذا أنصح إخواني المغاربة إن

 

أرادوا الذهاب مع العربية للطيران أن يشتروا التذكرة من الوكالة الموجودة في المطار

 

 حيث الرحلات إلى تركيا يومية، لكي لا يقعوا في مثل هذه المشاكل، فقط يجب عليهم

 

 أن يبحثوا على النت عن تاريخ الذهاب و الإياب الأرخص.

 

رجعت للمدينة، نمت في فندق، في الغد رجعت للمطار، اشتريت تذكرة ب 300 يورو

 

 إياب و ذهاب إلى مطار صبيحة إسطانبول، على الساعة 15h00 فتح الشباك،

 

 أعطيتهم الجواز والتذكرة، كل شيء مر على ما يرام، وصلت عند الشرطة أعطيتهم

 

 الجواز، نظر إلي الشرطي ثم قال: إلى أين أنت ذاهب؟

 

 قلت: تركيا إنشاء الله،

 

 قال: أين تسكن؟

 

 قلت له العنوان،

 

 قال: لماذا أنت ذاهب إلى تركيا؟

 

 قلت: سياحة فقط.

 

 ابتسم وطبع لي الجواز، رده إلي،

 

وقال: إنتظر هناك مع المسافرين إلى تركيا حتى تمروا من التفتيش.

 

 بعد ذلك مررت من التفتيش دون مشاكل.

 

على الساعة 17h30 أقلعت الطائرة،

 

 ودعت المغرب الحبيب عبر النافدة الصغيرة إلى مستقبل مجهول،

 

 ويا له من شعور و أنت تطير فوق الحدود ...

 

مرت تقريبا 5 ساعات من الطيران ووصلنا بحمد الله مطار صبيحة إسطانبول (SABIHA AIRPORT) وهو ثاني مطار يبعد  15Km عن المدينة.

 

مررت وطبع الجواز دون مشاكل على غرار بعض المسافرين المغاربة الذين أدخلوا إلى مكتب خاص لطرح أسئلة روتينية، لهذا أوصي بالهندام والأناقة، للأسف في هذا الزمن يقيسون المظاهر وليست الأعمال.

 

عند شباك صرف العملات استبدلت 100يورو إلى ليرة، الأورو يساوي تقريبا 2ليرة،

 

خرجت من المطار وصادفت الكثير من العرب الذين سبقونا إلى تركيا منهم نصابين وسماسرة الحراقة، ينتظرون فريستهم لينقضوا عليها، منهم من يسألك هل أنت تبحث عن حراق ومنهم من يقول لك هل لديك أحد يساعدك هنا، إلخ...

 

النصيحة هي لا تُعِرهم أي اهتمام، فهم يسعون وراء ما في جيبك، لهذا اعتمد على نفسك والله سبحانه و تعالى.

 

قصدت سائق حافلة وسألته بالإنجليزية : هل أنت ذاهب إلى "تَاكْسِيمْ" ؟

 

( TAKSIM تاكسيم هي وسط مدينة إسطانبول الكل فيها مفتوح حتى الصباح )، وأشار إلى حافلة أخرى، ركبت الحافلة وانتظر السائق حتى امتلأت المقاعد كلها، أعطيناه 14ليرة ثمن الرحلة.

 

 

 

بعد نصف ساعة وصلنا إلى "تاكسيم"، بقي للفجر 4 ساعات لهذا أمضيت الوقت في التجوال، ومن مقهى إلى مقهى حتى أشرقت الشمس على الساعة 6 صباحا ركبت طاكسي وقلت له "أطوكار إدرنة"

 

(OTOGAR IDERNE) معناه محطة الحافلات أنا ذاهب لمدينة إدرنة.

 

15دقيقة وصلنا للمحطة، وقال لي اعطني 2.5ليرة أؤديها للماكينة كي أدخلك حتى شباك حافلات إدرنة، كان له ذلك، أدخلني ودلني على الوكالة وأعطيته ما يشير إليه الحاسب Compteur وهي 20ليرة، دخلت الوكالة سألت عن إدرنة قال لي على الثامنة ستذهب أول حافلة، طلب مني الجواز وأديت ما يقارب 50ليرة ثمن التذكرة.

 

على الساعة 8 انطلقنا وكانت الحافلة نظيفة ومريحة يقدم لك الحلوى وعصير، أظن هذه عادة تركية.على الساعة 10h30

 

وصلنا إلى محطة إدرنة. داخل المحطة توجد حافلات صغيرة تأخدك إلى وسط المدينة وهي أرخص من الطاكسي، فقط 2ليرة.

 

بدأت أبحث عن فندق لأستريح وكنت ق بحث في موقع بوكينج وكيف الحجز في بوكينج باستخدام البطاقة الأئتمانية وبدون بطاقة إئتمان حتي وجدته ب 40 ليرة لا بأس به، وهناك الكثير وسط المدينة قرب الجامع الكبير.

 

نمت حتى الساعة 17h00 ثم خرجت أتجول في المدينة، هي مدينة قديمة وتحتوي على جوامع كبيرة وجميلة، مقاهي ومطاعم كثيرة ومأكولات متنوعة لذيذة، ما لحظته أيضا هو أن أغلبية سكانها أشقرون كأنك في السويد فتحس كأن الكل ينظر إليك كغريب.حل الظلام ثم دخلت مقهى أنترنت، نسخت الخريطة التي احتفظت بها في علبتي، بعد ذلك أمضيت كل الوقت في تصفح خريطة المدينة والحدود، بعد ذلك تعشيت في مطعم ب15ليرة ورجعت إلى الفندق.

 

في الصباح استغلت الوقت لأقوم بجولة في جوانب المدينة فاستنتجت أنه من المستحيل الخروج من الجهة الغربية دون أن يراك أحد أو دون أن تتيه لأن هناك منازل وقرى مختلفة وهناك كذلك الحدود البلغارية في الشمال الغربي للمدينة، بصراحة لم أرتح لتلك الجهة رجعت لمقهى الأنترنت وتفحصت الخريطة جيدا، بدأت أبحث عن الطريق الأكثر اختصارا لعبور الحدود، لاحظت أن النهر الكبير EVROS الذي يفصل تركيا عن اليونان قريب من محطة الحافلات الي تبعد عن المدينة 2Km، وهناك نسبة ضئيلة جدا من المنازل.

 

رجعت للفندق  لبست الحذاء والملابس التي سأحتاجها لهذه الرحلة، أخدت حقيبة الظهر ووضعت فيها الملابس والحذاء التي سأحتاجها عند الوصول إلى اليونان، بعض الشوكولاتة وكاوكاو، فستق، 1 معلبة سردين، تفاحة، 2لتر من الماء(2لتر لم تكفيني في الرحلة)، ساشيات بلاستيكية (كافية لأضع فيها كل شيء عند قطع النهر).

 

صليت ركعتين وطلبت من الله عز وجل أن ييسر لي هذه الرحلة.

 

خرجت من الفندق ورميت الحقيبة  VALISE التي لم تكن إلا للتنكر في المطار، ركبت إلى المحطة، جلست في مقهى المحطة حتى غربت الشمس ونزل الظلام، دخلت إلى المراحيض، هي قريبة من المخرج، بقيت فيها دقيقة كي أموه فقط بعد ذلك خرجت مسرعا نحو الطريق الذي يُخْرِج من المحطة (للإشارة الخروج من المحطة سيرا على الأقدام ممنوع لأنها تؤدي إلى طريق سيار لهذا حاول ألا يراك أحد

 

 

 

خرجت وذهبت جهة اليسار نحو الطريق السيار، فقطعته مسرعا و متخفيا كي لا يراني أحد، بعد ذلك بدأت في السير مسرعا نحو الجهة الغربية.

 

الطريق كان صعبا، صادفت الكثير من الحواجز، الأراضي الخاصة والكلاب (الكلاب لا تعرها اهتمام حتى وإن اقتربت فهي تنبح فقط، المهم هو أن لا يراك بني آدم فكن جيدا في التخفي)، حتى وصلت إلى واد اصطناعي تمر منه الفضلات وتخرج منه رائحة كريهة، من المستحيل المرور منه، فاتجهت يمينا وبدأت أسير بجانبه لعل أصادف قنطرة صغيرة أو شيئا ما لأعبره، مشيت قرابة 30 دقيقة كدت أفقد الأمل والحمد لله وصلت سكة قطار تمر من فوق الواد فمشيت فوقها، بعد ذلك مررت أمام معمل للإسمنت ومشيت مسرعا كي أخرج من الضوء الذي ينبعت منه، تجاوزت طريق معبد بسرعة، واتجهت إلى الغرب وأدركت أنني في الجهة الصحيحة كما هو في الخريطة حيث وصلت إلى ضيعات ومررت من أراضي ومحاصيل كثيرة، وأنا همي الوحيد أن أصل إلى النهرEVROS.

 

أخيرا وصلت إليه، جلست لأستريح، أكلت وشربت، أخدت جوازي وقطعته إلى أجزاء ورميته في النهر، من بعيد في الجهة اليسرى أرى قنطرة أمامها أضواء حمراء وزرقاء وهي لسيارة شرطة، حمدت الله على بعدهم.

 

بدأت أفكر في السباحة ولكن متردد، تفحصت ذهابا وإيابا جنبات النهر، وإذا بي ألمح شيئا طويلا وأسودا، عند نزولي واقترابي أكتشف المفاجأة!!!!

 

يا للحظ السعيد!!!!! إنه مركب!!!!!!!!!! ،

 

 كان مركب طوله 4 أمتار و حديدي، مربوط بسلسلسة حديدية و فيه أعواد تدفع بهم قاع النهر ليسير بك فوق الماء،

 

(بعد مدة حكوا لي أشخاص التقيتهم في اليونان أنه لحراق وسعته 5 أشخاص)

 

(إذن تفحص جيدا جانب النهر فلا بد من تواجد مراكب هناك

 

 شكرت الله عز و جل.

 

ركبت المركب وتفحصته جيدا، ثم بدأت أدفع بكل جهدي قاع النهر، لم يكن غارقا، ما يقارب 2 متر تقريبا والعصا كانت طويلة كفاية، وبسرعة قطعت النهر، وصلت الضفة الأخرى، تفحصت الخريطة وأدركت أني مازلت في تركيا، حسب الخريطة يونان قريبة الآن

 

وصلت الضفة الأخرى، تفحصت الخريطة وأدركت أني مازلت في تركيا.

 

تابعت طريقي غربا بين المحاصيل و أراضي شاسعة، لا أثر لبني إنسان، بعد مشي طويل صادفت لوحة كبيرة، اقتربت منها، مكتوب عليها بالعربية

 

 "خطر منطقة عسكرية" "Warning military zone" وبعدة لغات أخرى ومرسوم عليها جندي ببندقية. عرفت بعد ذلك أني قريب جدا من الحدود. بدأت أتمشى بروية وأنا حادر رأسي قليلا. بعد 15 دقيقة من المشي وصلت سياج معلق بلافتة مكتوب عليها "Danger mines" معناه خطر ألغام.

 

لا يمكن عبور السياج فإنه من النوع المشوك ووراءه الألغام طبعا، تمشيت مع السياج نحو جهة اليمين لعل أجد نهاية له، بعد وقت قصير وجدت طريقا يمر من وسط حقلي ألغام أظن أنه طريق الدورية، مررت منه بسلام وبحدر شديد كي لا أفاجأ بالعسكر، بعد ذلك وصلت خندق كبير وغارق طوله 10 أمتار نحو الأسفل، من شدة الظلام لم أكن أرى القاع لهذا بحثت عن عصى طويلة لأتفحصه، خفت أن تكون هناك ألغام أو ماء غارق. وجدت غصن طويل، نزلت مع جانب الخندق كان شديد الإنحدار، حتى اقتربت القاع وتفحصته بالغصن وتيقنت أنه صلب ولا وجود لألغام. نزلت تمشيت وصعدت بصعوبة إلى الجهة الأخرى.

 

من بعيد أرى ضوء منبعث. عرفت أنها قرية يونانية واتخدت ذلك الضوء وجهتي، نظرت إلى الوراء واستغربت لأنني من بعيد أرى جامع إدرنة الكبير، سبحان الله و يا له من منظر، أظن أن حتى صوت الآذان يصل اليونانيين.


مرت 8 ساعات منذ خروجى من المحطة، بدأت أتعب و بشدة أتمشى، وصلت طريقا سيارا، نظرت إلى اللافتات وأرى كتابة يونانية، أدركت أني وصلت ولكن أردت أن أدخل القدر المستطاع لأنني كنت أرفض فكرة تسليم نفسي،


 كان هدفي الوصول للقرية وتبديل ملابسي وإكمال الطريق إلى العاصمة.

 

قطعت الطريق بسرعة، تسلقت سياج، وتخطيت قنطرة صغيرة فوق واد صغير، ودخلت إلى الأراضي الزراعية متجها نحو ضوء القرية.

 

وصلت القرية مرهقا، الكل نائم، أسمع فقط خطاي على الطريق المعبدة المؤدية لوسط القرية، هناك وجدت مكان مغطى يحتوي مقاعد طويلة وهو عبارة عن غرفة لصناديق بريدية لسكان القرية، استلقيت على مقعد، كان جسدي دافئا من كثرة المشي، نمت

 

نشفت من العرق ثم بدأ جسدي يبرد. استيقظت من البرد، غيرت ملابسي، وجدت صنبورا، غسلت وجهي، قليل من الذهنة لشعري، أصبحت أنيقا من جديد.

 

في الصباح رأيت مقهى صغيرة تفتح أبوابها، كان الجو باردا لذلك قصدتها متكلا على الله، دخلت ثم جلست لأتدفأ، صاحبها رجل مسن، سمين وبشوش، سألني ماذا تشرب؟ قلت له بالإنجليزية قهوة بحليب وسكر من فضلك.


أشرب منها وأحس بجسدي ترجع فيه الروح.


من شدة الفضول قال لي بالإنجليزية من أي بلد أنت ؟

 

 قلت له بكل ثقة  من هولاندا. لأنني رغم ذلك لم أثق فيه.

 

ههههههه هههههههه ههههه ضحك بشدة.

 

قال لا تكذب علي، أنا صديق، من أين أنت؟ باكستان؟ أفغانستان؟

 

قلت له بسرعة لا لا أنا من المغرب، تعرف المغرب؟

 

قال بالطبع، ولكنهم قليلون هنا، نصادف الباكستان والأفغان بكثرة.

 

قلت في نفسي يجب أن تذهب لأثينا لترى المغاربة والجزائريين كم هم...

 

سألته ما اسم هذه القرية؟ قال شتيرنا Sterna.

 

سألته كيف أذهب لتيسالونيكي؟

 

 قال كل ساعتين تمر حافلة صغيرة من القرية تأخدك إلى أورشيادة ORESTIADA ب 3 يورو، بعد ذلك تركب حافلة إلى تسالونيكي THESSALONIKI.

 

جلست في المقهى حتى اقترب موعد مرور الحافلة، شكرته على ضيافته أديته ثمن القهوة، وودعته.

 

ركبت إلى آخر محطة وهي أمام محطة الحافلات في أورشيادة Orestiada

 

(تنطق بالشين في اليونان)، دخلت واشتريت تذكرة إلى تسالونيكيThessaloniki ب45يورو(للعلم فثمن التنقل في اليونان مرتفع)، هناك التقيت بمغربي اسمه خالد، هو أيضا أتى نفس اليوم من تركيا لكن مع حراق أدى له 500يورو، أتى بهم من إسطانبول في سيارة كبيرة وهم 10 أشخاص ومكثوا بمنزل على الحدود، ومررهم مشيا حتى أورشيادة.

 

على الساعة 9 انطلقت الحافلة، تحدثنا، كل يحكي مغامرته الصغيرة، وخططه المستقبلية. أعطاني رقم ابن خالته، هو في اليونان منذ مدة و يتواجد بمدينة إكومنيزيا Igoumenitsa، قال نذهب عنده فهناك يمر الحراقة من الميناء إلى إيطاليا.

 

غلبنا النعاس حتى وصلنا محطة حافلات تسالونيكي، نزلنا جلسنا في مقعد، قال لي خالد لباسك أنيق لا تثير أي شبهة و تتكلم إنجليزية من الأفضل أن تدخل أنت (مكان الشبابيك فكل اتجاه له شباكه الخاص) وتسأل عن ثمن التذكرة وهاتف ابن خالتي وقل له أنني وصلت وأننا آتين إليك.

 

أعطيته حقيبتي الصغيرة ودخلت، وجدت شباك اتجاهنا، سألت عن الحافلة، قالت لي أن هناك رحلة واحدة وهي صباحا، لازم تنتظر حتى غد. إشتريت بطاقة مخدع الهاتف وهاتفت ابن خالته. أخبرته أننا آتين غدا إنشاء الله، سنتدبر حالنا ونبيت في هذه المدينة، ثم قال من الأحسن أن تكونا يقضين لأن تلك المدينة فيها مراقبة شديدة لأنها مكان سكنى رئيس اليونان

 

رجعت عند خالد، قبل أن أصل عنده، نظرت في اتجاهه لأفاجأ!!!!!!

 

 تجمدت في مكاني لم أستطع الحراك!!!!!!!


 فخالد جالس على المقعد و3 من أفراد الشرطة حوله يسألونه ويلتفتون يمنة ويسرى. بسرعة البرق استدرت وتمشيت مسرعا نحو المقهى، جلست، أتت الناذلة، قلت لها one Espresso please!


 لبست النظارات الشمسية، وأراقبهم من مكاني. كبلوه بMenotte وأخدوه.

 

 شرطي يفتش المحطة ذهابا وإيابا يبحث عن أحد ما، دخل المقهى، مر أمامي.

 

أنا أشرب القهوة بكل برودة كأنني يوناني وابن المدينة هههههه،

 

 بعد قليل رجع وفي يده حقيبتي! وضعها فوق المقعد الذي كان خالد جالس عليه وذهب. لقد نصب فخا ووضع طعما!!!!!!!

 

 فهمت أنه كان يبحث عن صاحبها، وأعجبني خالد لأنه لم يدلهم على شيء، ونعم الرجل.

 

أتحدث مع نفسي هل أرجع للحقيبة أم أتركها؟! ففيها كل أغراضي، بالطبع لن أرجع لها وأقع في الفخ، لا أريد أن أضيع وقتي في السجن (من يقبض في هذه المدينة يرسلونه لسجن المهاجرين مدة 10أيام حتى20، على غرار مناطق أخرى حيث تخرج بعد 3 أيام). أكملت القهوة، ثم هاتفت ابن خالة خالد، حكيت له ما جرى، قال لي من الأحسن أن تخرج بسرعة من هناك إذهب إلى أثينا فهي أحسن حال، و كلها أجانب.

 

إشتريت التذكرة إلى أثينا، على الساعة الرابع زوالا انطلقت الحافلة، وأنا أفكر في خالد و أقول يا ترى ماذا يفعل الآن ..كنت متعبا، نمت طوال الطريق حتى وصلنا أثيناAthens على الساعة 23h00.


أوصلتنا الحافلة حتى وسط المدينة، نزلت، أمشي من شارع إلى شارع و ما أطولها، الكل مازال مفتوحا مقاهي و مطاعم، البشر لا ينام في أثيناAthens

 

و ماذا أرى؟ فقط أجانب، رجال و نساء، من باكستان أفغانستان تونس المغرب جزائر نيجيريا بنغلادش، العالم كله هنا!!! و لا أثر ليوناني؟!

 

إفريقيات جالسات على الأرصفة بملابس ضيقة يمتهن الدعارة، مدمنون عائشين في عالمهم الخاص و مستلقين في جوانب الشارع، سكارى يجوبون يمنة و يسرة،


هل هذه هي أثينا التي كنت أسمع عنها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

 

 أتمنى أن أخرج بسرعة من هذه البلاد لا أريد أن أطول هنا،


 الحالة سيئة جدا


سألت عربي وجدت أنه تونسي : تعرف أين يوجد فندق السوداني الذي يناموا فيه ب 5يورو للليلة؟

قال: هناك عدة فنادق صغيرة للسوداني، تعال أريك أقرب واحد. رافقته قرابة 500متر و دلني على الفندق. قلت له شكرا لك يا أخي، قال لي ألديك سيجارة من فضلك؟ قلت له لا أدخن و لكن خد هذا، أعطيته 2يورو و ودعته صعدت الدرج، دخلت، ما لاحظته هو أن فندق السوداني هو شقة كبيرة و قديمة تكرى فيها الغرف و الحالة جد وسخة، سألت المكلف: أحتاج غرفة لأنام، قال: أعتذر الكل مشغول اليوم فالساعة تشير إلى منتصف الليل.

 

نزلت الدرج خائبا لأني تعبت و أريد فقط أن أنام، بدأت أجوب النواحي أسأل عن فنادق السوداني واحد تلو الآخر، لاشيء،الكل مشغول!!! يا ربي ما هذا؟!!!

 

 تعبت و ليل أثينا لا يبشر بخير و ما أكثر قطاع الطرق هنا، لم يبق لي إلا أن أجرب الفنادق اليونانية.

 

 لم يكن لدي جواز و لا أوراق ثبوتية، كانت مغامرة، يمكن أن يتصل بالشرطة،

 

 المهم كنت منهكا و لا أفكر إلا في دفء السرير،

 

 دخلت مبتسما، وجدت رجل عند الإستقبال، بدا عليه نوع من الإرتباك أظنه خوف، لأنه لمح وجه عربي منتصف الليل!!! هههههه

 

 ابتسمت له و قلت بالإنجليزية: من فضلك سيدي وقع لي مشكل الآن، فقد سرقت أمتعتي كلها حتى جوازي، أريد غرفة لأنام حتى غد لأذهب للسفارة و الشرطة.

 

نظر إلي و قال: لا مشكلة و لكن ثمن الغرفة لك هو 30يورو لأنك بدون هوية قلت له إجعلها 20يورو قال لا 25يورو لاأقل و لا أكثر. كان له ذلك .

أعطاني المفتاح و صعدت للغرفة.

 

غرفة نظيفة، فراش نظيف، تلفاز، مرحاض و دوش جميل، شامبو و صابون و فوطة، هذا ما أسميه فندق، نزعت ملابسي و دخلت لأستحم و أنظف عرق و أوساخ رحلة تركيا، فالبارحة كنت هناك و اليوم أنا في أثينا، سبحان مبدل الأحوال،

 

 بعد ذلك إستلقيت على الفراش، شغلت التلفاز، لا أفهم شيئا من هذه اللغة، أحول من قناة إلى أخرى حتى غلبني النعاس.

 

استيقظت على الساعة 10صباحا، خرجت من الفندق، رأيت طاكسي و استوقفته، قلت له: Please to the busstation ، وصلت محطة الحافلات بحثت عن شباك خط مدينة Igoumenitsa ، كانت الرحلة على الساعة الخامسة زوالا،

 

 اشتريت التذكرة و رجعت بالحافلة إلى وسط المدينة.

 

في النهار تبدو أثينا مدينة جميلة، مآثر و مباني ضخمة، محلات و مطاعم جميلة، بدأت أشاهد اليونانيين و لكن ساحة Omonia على حالها تعج بالعرب و الأفارقة و الآسيويين.


ترى في وجوههم البؤس، معظهم في حالة استياء،


 قرب الكنيسة أرى طابورا من المهاجرين، ينتظرون دورهم ليتسلموا الأكل، هذا يدل على الأوضاع المزرية التي وصلت إليها حال المهاجرين في اليونان.


تجولت في معظم نواحي المدينة إلا سوق الحرمية (ندمت بعد ذلك، حكوا لي  أن هناك ملابس و أحدية من نوع ممتاز و جد رخيصة، كل ما تحتاجه تجده هناك للأسف لم أستغل الفرصة)، اقتربت ساعة الرحلة ، رجعت إلى المحطة، على الساعة الخامسة إنطلقت الحافلة في اتجاه مدينة .

 

المقاعد كان معظمها فارغ، لمحت وجه عربي و اقتربت منه و جلست قربه، و سألته: تتكلم العربية؟  نظر إلى مدهشا و قال: نعم أنا مغربي، و أنت؟ قلت: مغربي كذلك. ضحك و قال رأيتك عندما صعدت إلى الحافلة و ظننتك يوناني هههههه (معظم اليونانيين يشبهون سكان شمال إفريقيا).

 

إسمه محمد و هو من نواحي قلعة سراغنة له 6أشهر هنا في اليونان، سألته: ماذا تفعل هنا في أثينا؟ قال جئت فقط لآخد بعض المال من صديق عمل لجوء منذ 5سنوات و هو يعمل الآن في العاصمة، أما معظم الوقت أنا في إكومينيزيا أجرب يوميا الRisque (معناه المخاطرة يقصد بذلك محاولات التسلل إلى الميناء و تحت الشاحنات و الحافلات)،

 

أتمنى من الله ألا تستوقف الشرطة الحافلة للتفتيش فالخرطية عندي مر تاريخ صلاحيتها.

 

قلت: آمين، أنا ليست لدي أصلا. قال: لماذا؟ قلت: أنا دخلت البارحة من تركيا و قبل يومين كنت في المغرب. حكيت له كيف وصلت.

 

قال: إنك جد محظوظ و ربحت الكثير من الوقت، حطمت الرقم القياسي هههههههه.

 

تبادلنا الحديث طول الطريق لم ننم خائفين من الشرطة.

 

الحمد لله وصلنا على الساعة 2صباحا، نزلنا، و هاتفت ابن خالة خالد، للأسف وجدت هاتفه مغلق، قال لي محمد: لا بأس حتى الصباح ابحث عنه، فالحراقة كلهم يتجمعون أمام الميناء.

 

ذهبنا أنا و محمد عند أصدقاؤه المغاربة، ينامون في ديسكو قديم و مهجور يتواجد على بعد 10أمتار فقط من الشاطئ، قريب من الميناء.

 

في البداية أريد أن أحكي لكم القليل عن هذه المدينة.

 

يتمركز العديد من المهاجرين في مدينةIgoumenitsa في انتظار عبورهم إلى الضفة الأخرى، و تعتبر البوابة الكبرى إلى أوروبا لتوفرها على ميناء ترسو فيها بواخر كبيرة تقوم برحلات يومية نحو إيطاليا.

 

عند حلول الليل يلاحظ أي زائر جديد العدد الكبير من الحراقة الذين يتجمعون قرب الميناء، يحاولون عبور السياج المشوك للدخول و اصطياد فرصة للإختباء في الشاحنات أو الحافلات أو السيارات المتوسطة.

 

في الماضي كان الحراقة عبارة عن الألبان فقط، أما الآن فلا وجود لألباني واحد تجد فقط السودانيين و العرب و الأكراد، بنوا أكواخ بلاستيكية في الجبل المحادي للميناء يسكنون فيها حتى تأتيهم الفرصة،و منهم من يسكن في منازل مهجورة داخل المدينة

 

 

 

الأكراد أغلبهم منبوذ في بلده، و لهم تجربة كبيرة في حياة البؤس، ما كون لديهم حس التضامن فيما بينهم، مما أدى إلى تكوينهم جماعة و تعيين قائد بينهم ليتحكموا في هذه المنطقة، و فرضوا على كل حراق جديد يأتي لهذه المدينة بدفع ضريبة لهم، هناك من دفع 20يورو

 

 و هناك من أدى حتى 100يورو ليبقى في هذه المدينة دون أن يقع في مشاكل معهم، و من يرفض الأداء يرغم على ترك المنطقة و ينذرونه ألا يرجع  و إذا صادفوه مازال في المدينة يعتدون عليه ضربا بالسلاح الأبيض أو حتى القتل، الكثير من الحراقة الذين لا حول و لا قوة لهم اعتدي عليهم من طرف هذه العصابة الكردية.

 

قبل الفترة التي وصلت فيها للمدينة بقليل، حكوا لي الحراقة أنه وقع اشتباك بين السودانيين

 

 و الأكراد، وكان عدد السودانيين أكبر منهم، و قامت معركة كبيرة بالعصي و الأسلحة البيضاء،

 و لقنوهم درسا حيث قتل منهم اثنين متأثرين بجراحهم، مما أدى لهروب الأكراد من المنطقة


عند وصولي للديسكو المهجور وجدت كل واحد فارش المكان الخاص به بأغطية قديمة أو بما استطاع العثور عليه.

 

 قال لي محمد: تعال نم هنا إنه مكان صديقي توفيق لقد نجح هذه الليلة في الحرقة هو الآن على البحر نحو إيطاليا إستلقيت في الفراش و نمت و أنا أحلم بإيطاليا، فهي على لسان كل الحراقة هنا.

 

في الصباح استيقظت مع شروق الشمس لأن الجهة التي نمت فيها مكشوفة و على الشاطئ.


بعد ذلك أرى الكل يخرجون من مخابئهم الواحد تلو الآخر حتى امتلأ المكان بمجموعات، كل حراق مجتمع مع أبناء وطنه يتكلمون عن البارحة و الحراقة الذين مروا، هل وصلوا وهل هاتفوا أم لا، بعد ذلك يتوجه الكثير منهم إلى داخل المدينة لشراء ما يأكل إن كان لديه مال أو(الأغلبية) للتسول قرب المتاجر الممتازة، المهم في النهار لدى الحراق الوقت الكافي ليفعل ما يشاء قبل حلول الظلام و بداية الRisque.

 

اتصلت بابن خالة خالد و لكن لا يجيب، لا بأس تعرفت بالكثير من الإخوان هذا اليوم،


أعطوني معلومات كافية عن الشاحنات و الحافلات و كيفية الدخول إلى الميناء، لأن ملابسي مازالت نظيفة و أنيقة، و لأنني جديد هنا و الشرطة لا تعرفني، نصحوني بالدخول عبر المكان الذي يدخل منه المسافرون كي أتجنب السور المشوك

  المسافرون يدخلون من مكان إسمه الكافيتيرياCafetaria فيها مقاه و محلات تجارية، و فيها باب الدخول إلى الميناء يحرسه شرطي طابع الجوازات، و باب آخر بعيد عنه يفتح أتوماتيكيا للخارجين من الميناء، لهذا كان السبيل الوحيد للدخول، رغم أن الشرطة تراقبه أحيانا، فقط يجب الجلوس في مقعد على مقربة منه و انتظار حتى يفتح للخارجين من الميناء و تمر بسرعة قبل أن يغلق دون أن تراك الشرطة.


وصل الليل و ترى الحراقة يجتمعون شيئا فشيئا أمام الميناء كأن سهرة غنائية ستبدأ، دخلت الكافيتيريا، إشتريت شيبسChips و قنينة كولاCola للتمويه كأنني فعلا سائحا، جلست في المقعد المقابل للباب، شرطيان يحرسان الباب و يرجعان كل من دخل منه و يأمرانه بالدخول من الباب الذي يطبع فيه الجواز، لم تحن الفرصة، مرت الآن ساعة و أنا أنتظر، ذهبا الشرطيان أظنها مناوبة، طلبت الله أن يأتي أحد الآن ليفتح الباب لأن هذه هي الفرصة، بعد قليل قبل أن ترجع الشرطة أتى أحد المسافرين، فتح الباب و مررت بسرعة، أخيرا دخلت إلى الميناء.

 

أتجول و أتفحص الشاحنات بدقة و حدر، مرت نصف ساعة و أنا أتجول كمعظم المسافرين، وصلت باخرتان كبيرتان، و بدأت الحركة، كل الشاحنات في الصف مستعدات للدخول، إنتهزت فرصة و دخلت تحت واحدة، استلقيت و وجدت المكان المناسب و بقيت فيه، الشاحنة كل دقيقتين تسير ببطئ متجهة نحو الباخرة، الصف طويل و أسمع السائقين يتحدثون فيما بينهم لتمضية الوقت، مرت قرابة ساعة و أنا تحت الشاحنة، تعبت من الإنتظار، الدخان و الحرارة ، و لكن صبرت لأن إيطاليا تناديني، حتى اقتربت الشاحنة من الباخرة، جاء أحد الحراقة و دخل في الصندوق الجانبي للشاحنة، لم يحترس و دخل بسرعة و أثار ضجة سمعها السائق، نزل صارخا و هرب الحراق، ثم بعد ذلك جاء يتفحص الشاحنة بأكملها و وجدني مستلقيا في مكاني و صرخ بشدة بكلمات غير مفهومة أظنها بلغارية، ما فهمته فقط هو POLICE !!!!!!!!!!! ، خرجت بسرعة من الجهة الأخرى و هو ينادي الشرطة.

 

بعدت عنه بأمتار ثم أرى رجل بزي مدني يقترب إلي، رأيته و عرفته من الشرطة و جريت بكل قواي و بدأ بالجري ورائي لإمساكي، لم أدع له الفرصة، جرينا الميناء بأكمله ذهابا و إيابا و الحراقة من وراء السور يضحكون من منظر القط و الفأر، حتى تعب و قال لي صارخا: فيكي Figi!!!!!!!!!!! .

 

 و صرخ محمد ضاحكا من وراء السور: قال لك إخرج من الميناء!!!!!!!!

 

قلت له: من أين؟ !!!

 

 قال: اخرج من باب السيارات لن يمسكوك همهم الوحيد هو أن تخرج من الميناء!!!!!!!

 

 و كان ذلك. خرجت من مكان دخول الشاحنات.

 

وصلت عند محمد و قال: لقد أصبحت كلك متسخا، أين كنت؟

 

قلت : تحت الشاحنة، كادت أن تدخل إلى الباخرة، تبا للحظ السيء!!!

 

قال: لا عليك غذا تعاود إنشاء الله،  فنحن هنا منذ شهور و لم نيأس.

 

قلت: هذا ما لا أتمناه، أن أبقى هنا لفترة طويلة

رجعت للديسكو خائبا، كان الحال باردا و جلسنا حول نار، الكل يحكي أحلامه و مغامراتة فهو مغربي إسمه منعم حكى لي أنه قبل فترة وجيزة جرب الرحلة البرية مع بعض أصدقائه حيث ذهبوا إلى ألبانيا و لكن لم ينجحوا في الرحلة، أمسكتهم الشرطة هناك و أرجعتهم لليونان.

 

سألته عن التفاصيل و كيف مر هو أصدقاؤه و ماذا كانت خطته، قال لي أن الشرطة اليونانية على الحدود غير مهتمة، و أنهم مروا نهارا دون مشاكل، فقط عبروا وادا جافا و صعدوا بعد ذلك بين هضبتين و هاهم في ألبانياقال: لو كنا إثنين فقط، و كان عندي مزيدا من المال لنجحت الرحلة.

 

قلت له: إن شاء الله سأذهب برا إن لم ينجح الRisque، لا أريد أن أضيع وقتي هنا.

 

بعد حديث طويل ذهبت لأنام، متمنيا في الغد فرصة أحسن، قرأت آية الكرسي حتى غلبني النوم.

 

في اليوم الموالي استيقظت باكرا كما العادة، قليل من الشامبو و الصابون من عند الأصدقاء ثم نزعت ملابسي لأستحم في البحر، غسلت بعض الثياب من أوساخ الشاحنة و نشرتها لتجف.في الزوال دخلت إلى وسط المدينة لأشتري ثيابا جديدة، لأن هذه لن تنفعني رغم أنني غسلتها و لم تعد أنيقة، وجدت محل ملابس صيني بأثمنة مناسبة، إشتريت سروال، قميص،، و الكل مجموعه 45يورو.

لبست الملابس الجديدة، قليل من الذهنة و أصبحت أنيقا من جديد منتظرا نزول الظلام بفارغ الصبر.

 

وصل الليل و كالبارحة أنا جالس داخل الكافيتيريا منتظرا الفرصة، دامت مدة الإنتظار هذه المرة ساعتين حتى استطعت الدخول للميناء.

 

اليوم لدي خطة أخرى في ذهني و هي الدخول مباشرة إلى الباخرة مع المسافرين.

 

أتجول بين الشاحنات و الحافلات، الميناء يمتلئ شيئا فشيئا بالمسافرين حتى وصلت اللحظة التي رست فيها الباخرة و كونوا صفا، أخدت مكاني بينهم كمسافر عادي، لم يشك بي أحد، كنت فقط خائفا أن تتذكرني الشرطة مما وقع البارحة.

 

فتح الباب الكبير و طلبوا منا الدخول، دخلت معهم حتى وصلنا مكان اكتظ فيه المسافرون و هو باب صغير به سلم يؤدي إلى داخل الباخرة، لم أر جيدا ما بالداخل، فقط إنتظرت الفرصة بين الإزدحام لأدخل، بعد دقائق وصلت، ما أن دخلت، ألتقي بجمركي واقف في الركن و يطلب من كل مسافر جوازه قبل أن يصعد للأعلى، قال لي: جوازك، و تذكرة الباخرة.

 

يدي نحو جيبي كأني أريد أن أخرج منه شيئا.

 

و قلت بسرعة بالإنجليزية: أظن أني أضعت محفظتي، سأذهب لأفتش عنها.

 

لم أنتظر إجابته، و بسرعة غادرت الباخرة، و الشرطة على باب الباخرة تنظر إلي لم يفهموا شيئا، هل هذا المسافر أخطأ في الباخرة?!!!

 

لم أكثرت لهم، و توجهت نحو الكافيتيريا لأخرج خائبا للمرة الثانية، توجهت للديسكو، لم أكلم أحدا، إستلقيت و أنا أنظر إلى البحر، أرى أضواء الباخرة تبتعد شيئا فشيئا، ذكرتني هذه اللحظة بميناء طنجة، و أحسست بنوع من الظلم و عدم الحرية، تيقنت أن أوراق الإقامة الأوروبية لها دور كبير جدا في الإحساس بالحرية، فهمت إذن أن هذه المغامرة لها معنى و هدف مفيد و لن تذهب كل هذه الجهود سدى.

 

على صوت الأمواج نمت.

 

في الصباح كالعادة لا شيء جديد، فقط كل واحد يحكي عن تجربته البارحة، قال لي محمد: لقد وقع مشكل اليوم، قام بعض العرب بسرقات وسط المدينة البارحة، لا محالة أن الشرطة ستقوم بحملة و تعتقل كل من تصادف، قد يدوم ذلك 3أيام.

 

و كان ذلك بالفعل، إعتقلت الشرطة كل من تصادفه داخل المدينة، و لم نستطع أن نبتعد عن نواحي الديسكو، والآخرين دخلوا أكواخهم في سفح الجبل.

 

اعتقل قرابة 200شخص، للأسف كان محمد واحدا منهم، لم يستطع أن يصبر دون تدخين سيجارة فذهب للمدينة ليشتري علبة دخان و لم يرجع.

 

هذا اليوم كان مستحيل علينا أن نقف قرب الميناء، لهذا قضينا أول الليل جالسين حول نار ندفئ أنفسنا و كل يحكي شيئا ما، تكلمنا عن البلاد، و عن أكلات المغرب التي يشتاقون لها، معظمهم هنا له فوق 4أشهر منذ خروجه من الوطن،

 

 ساهم الجوع و البرد في تَفَكُر و تلذذ "الكرعين"و "الكسكس" و "الطاجين" و "السردين المشوي" إلخ...

 

تركتهم ذاهبا لأنام  لأن الحديث معهم يحسني بالجوع و في بعض الأحيان بالشؤم لكثرة المحبطين بينهم، فالعديد منهم وصل إيطاليا أكثر من مرة و قبل خروجه من الميناء في إيطاليا يقبض عليه و يُرَجَّع لليونان، لأن من خرج من الميناء لا يُرَحَّل.

 

اليوم الموالي رجع بعض من الأكراد و قاموا باجتماع مع السودانيين طالبين المسامحة، شرحوا لهم أنهم إن رجعوا ليحكموا هذه المنطقة فهذا في مصلحة الجميع ليحدوا من السرقات التي يقوم بها العرب داخل المدينة، لأن هذا يؤدي إلى الحملات من طرف الشرطة و هذا ليس في صالح كل الحراقة، و اتفقوا بشرط ألا يطلبوا المال من السودانيين.

 

اتفقت المجموعتين و عقدوا الصلح، كأنني شاهد على عقد صلح بين دولتين، في الأخير هم حراقة فقط مثلنا مثلهم، همهم الوحيد الوصول إلى أوروبا، في تلك اللحظة لم أفهم شيئا من تلك الخزعبلات.

 

زوالا أتت مجموعة كردية من 6 أشخاص معهم زعيم إسمه أبا زاكي، فتشوا كل الأكواخ باحثين عن جدد دخلوا في فترة غيابهم، منهم أنا طبعا، فتشوا الديسكو المهجور أيضا، أتى إلي واحدا منهم يتكلم العربية،

 

 قال: من أي نفر أنت؟

 

قلت: ما معنى نفر؟

 

 قال: معناه مجموعة كردية أديت لها المال.

 

 قلت: نسيت.

 

ثم نادى أبا زاكي.

 

 تبين لي من مشيته و نظراته أنه صارم و ثائق بنفسه،

 

قال: منذ متى و أنت هنا؟

 

قلت منذ شهر.

 

 قال: كذاب!!!!!!!!!!! لم أرك هنا من قبل.

 

 قلت: أنا هنا منذ شهر، إسأل أصدقائي.

 

 قال: سأقول لك كلمة واحدة، أد لي الآن دون كلام 100يورو أو خد أمتعتك و إذهب إلى "باترا"!!!!!!!!!!

 

قلت: باترا أحسن، ليس لدي مال.

 

قال: إياك أن أراك تجوب هنا في النواحي و المدينة، لقد حذرتك,فهمت??!!!

 

نظرت من حولي, رأيت كل العرب اندثروا، لا أحد هنا، يخافون من هذا المتعجرف، لا يريدون أن يزيدوا المشاكل فماشكلهم المعيشية تكفيهم، فهمتهم و أحسست

 

 بضعفهم و عرفت أن هذا الكلب يستغل الضعفاء.

 

 و لم أرض أن أعطيه و لو فلس واحد، منذ هذه اللحظة كرهت الكرد كرها كبيرا

 

(الله يسمح ليا).

 

جمعت أمتعتي و خرجت من الديسكو، ذهبت للمدينة، لم أصل المحطة، أردت أن أجرب الRisque و لو لمرة واحدة و أخيرة قبل ذهابي إلى باتراPatra.

 

حل الليل و نزلت للميناء، لاحظت أن بعض الأكراد يحرسون المكان، لم أرد أن أجازف، رجعت للمدينة الصغيرة و دخلت لمقهى أنترنيت و كما العادة أتصفح الخريطة، مرت ساعة و خرجت أبحث لعلي أجد مكان أنام فيه، بحثت عن منزل مهجور، بعد عدة ساعات وجدته، و لكن كيف أدخل فهذا شيء جديد علي؟!

 

لم يكن لدي خيار، يجب أن أفكر و بسرعة، لأن الشوارع بدأت تخلو و أنا لا أريد أن أنام في البرد.

 

بدون تفكير تسلقت سور الحديقة، بجهد و بمساعدة عصى حديدية استطعت أن أكسر جانب النافدة و فتحها.

 

دخلت، شعرت بالدفئ، و تفحصت المنزل في الظلام، كان منزل جميل فيه كل شيء، تبين لي أنه مهجور منذ مدة طويلة، لكثرة الغبار فيه.

 

كنت جائعا، دخلت المطبخ و فتشت الخِزَانَة بحثا عن الأكل، الحمد لله وجدت بعض مصبرات الخضر و السمك، فتحت الصنبور، تدفق منه ماءًا متسخا، و بعد مهلة وصل الماء الصافي، غسلت فرشاة و صحن من الغبار، فتحت المعلبات و سكبتها فيه، و بدأت آكل بنهم، و شكرت الرب على نعمته.

 

 

 

في الطابق الأعلى دخلت غرفة بها سريرا،هي غرفة نوم، نظفت المكان جيدا و نمت   و أنا أقرأ آية الكرسي داعيا لله أن ييسر لي أمري.

 

استيقظت باكرا، و خرجت من النافذة التي دخلت منها، تفحصت الجوار لكي لا أصادف أحدا من المارة، و تسلقت سور الحديقة إلى الشارع.

 

اتجهت إلى جهة الميناء، غير مكثرت للأكراد، الصباح لا يتجولون كثيرا في النواحي، بعد ذلك اتجهت نحو الديسكو لأسأل عن أخبار الأصدقاء.

 

 في ساحة واسعة قربنا لمحت معظم الحراقة واقفين في صفين أمام سيارتين كبيرتين.

 

سألت مغربي : ماذا ينتظرون هؤلاء؟

 

قال: إنها جمعية يونانية تساعد الحراقة، تأتي مرتين في الأسبوع إلى هنا، فالسيارة الأولى توزع الأكل، و الثانية فيها طبيب و ممرضتين يفحصون المرضى و يعطونهم أدوية مجانية.

 

اقتربت من المكان فقط فضولا، قال لي صديق واقف في الصف: من الأفضل أن تبتعد عن الجوار فالأكراد لم يأتوا بعد و لكن هناك مخبريهم من العرب أصبحوا كالكلاب عندهم، لذا توخ الحذر أخي.

 

ثم قال مسرعا: أنظر،أنظر. مشيرا إلى صبي كردي ممتطيا دراجة عادية و ذاهب للمدينة.

 

قال: هذا الصبي هو مخبرهم الكبير، لا تثق فيه، و لا تدعه يراك.

 

لم أستطع الإنتظار و ذهبت لوسط المدينة لأمكث هناك في مقهى أو حديقة حتى وصول الليل و أرجع للميناء

 

لتمضية الوقت جلست في حديقة صغيرة، المكان هادئ و الجو جميل، أشاهد السياح   و المارة و البواخر الجميلة على البحر.

 

وقف أمامي رجل في الثلاثينيات من عمره، كان وحده،

 

قال لي بعربية ركيكة: من أي نفر أنت؟

 

عرفته كردي، قلت: أنا جديد، و لكن لم يلق لي هذا المكان سأذهب لمدينةPatra.

 

قال: تذكرت وجهك البارحة، و قال لك أبازكي أن ترحل!! و رأيتك تتجول هنا منذ الصباح!!!

 

ثم أضاف: يجب أن تؤذي ثمن الجلوس هنا!!! و لا تتلاعب معي، فهذا لن يعجبك!!!.

 

قلت:ماذا تعني ب لن يعجبني؟! كل ما في الأمر ليس لدي المال لأؤدي لكم!!!

 

قال: تكذب، لا يمكن!!!! سأفتش جيوبك!!!

 

بكل ثقة أمسكني من عنق معطفي بيده اليسرى و أراد التفتيش بيده الأخرى.

 

أنا اندهشت للموقف، هذه ثقة نفس زائدة عن حدها؟!!

 

 لم أشعر بنفسي حتى ضربته بجبهتي على أنفه، تبعتها بلكمة يسرى سال بها الدم من أنفه المكسور، و ضربته بكل ما أوتيت من قوة بلكمة يمنى على فكه و سقط مغمى عليه.

 

من شدة تعصبي أشتمه بالدارجة و أنا أبصق عليه، جرى بعض اليونانيين نحوي يسألونني باليونانية، لم أفهمهم، في ما بعد فهمت أن معنى كلمة كليفتيسcliftiss معناها السارق، أرادوا أن يسألوني هل حاول سرقتك، ظنوا أني يوناني والكردي أراد سرقتي لم أجبهم، تجمهر العديد من الفضوليين حوله، و خشيت أن تقبض علي الشرطة، هربت و دخلت لمقهى أنترنيت، بعد ساعتين خرجت وصادفت مغربي من مراكش تعرفت عليه في الديسكو المهجور، قال: ماذا فعلت؟ فجماعة كبيرة من الأكراد تبحث عنك، يعرفون أوصافك وأنك مغربي، يحملون سيوفا، يفتشون عنك في كل الأماكن.

 

قلت: أراد الكلب أن يفتش جيوبي، ولقنته درسا،"باش إعرف لمغاربة شحال إسواو".

 

قال:"أوالله إلى عبرتي على مو" و"ضصارو الكرديين بزاف

 

لكن أنصحك يا أخي أحسن لك أن ترحل الآن إن أمسكوك ستقتل دون رحمة، ولا أحد من العرب سيساعدك، الله غالب لقد رأيت حالتهم.

بسرعة رجعت للمنزل المهجور، لم أنتبه للمارة ودخلت لأن الوقت ليس في صالحي، صعدت لغرفة النوم و فتحت خزانة، أخذت بعض الملابس التي تناسبني، و نظفت نفسي، وخرجت مسرعا نحو المحطة، كانت الساعة تشير إلى الواحدة زوالا، تذكرت كيف ذهب الأخ منعم لألبانيا، ولم يكن لدي خيار إلى بتجربة هذا الطريق لأن حافلة باتراPatra ذهبت، و لا توجد إلا حافلة ذاهبة إلى الحدود الألبانية واسم المكان ساكياداSagiada، إشتريت التذكرة، ثمنها 3يورو فقط.

 

بقيت داخل المحطة حتى وصلت الحافلة، لأن الأكراد وجواسيسهم منتشرين في كل الأماكن، خصوصا عند باب المحطة ليبتزوا كل قادم جديد من الحراقة.

 

إنطلقت الحافلة وبعد نصف ساعة وصلنا إلى الحدود، وقفت، نزل المسافرون واتجهوا صوب الجمارك، وبقيت لوحدي واقفا لا أدري أين أذهب، لمحت عن يميني Caravan على شكل مقهى، اتجهت بسرعة نحوها لكي لا تراني الشرطة واقفا هناك، جلست وطلبت منه كالعادة قهوة بالإنجليزية : One espresso please!!!.

 

كان رجلا كبير السن ضحك في وجهي وقال:Ok,no problem!!!!!!.

 

كأنه فهم مقصودي من الجلوس هناك.

 

نزل المسافرون واتجهوا صوب الجمارك، وبقيت لوحدي واقفا لا أدري أين أذهب، لمحت عن يميني Caravan على شكل مقهى، اتجهت بسرعة نحوها لكي لا تراني الشرطة واقفا لوحدي، جلست وطلبت منه كالعادة قهوة بالإنجليزية : one espresso please!!!.

 

كان رجلا كبير السن ضحك في وجهي وقال:ok no problem!!!!!!.

 

كأنه فهم مقصودي من الجلوس هناك

 

ما لاحظته هو أن هذا المعبر خالي من البشر والسيارات، لا يعتبر ممر رئيسي إلي ألبانيا.

 

أتى الرجل بالقهوة وجلس قربي، أراد محادثتي.

 

قال بالإنجليزية: هل أنت ذاهب على رجلك إلى ألبانيا؟!

 

قلت: نعم، ولكن أريد أن أستريح وأشرب القهوة أولا.

 

قال: فهمتك، من وجهك وتصرفك أعرف أنك تريد عبور الحدود، إلى أي بلد أنت ذاهب؟؟؟

 

قلت ضاحكا: ألمانيا.

 

قال: بلد جميل، كنت في الماضي أعمل على باخرة وكنا نزور ألمانيا غالبا.

 

قلت: جميل، وكيف هي ألبانيا؟؟

 

قال: لا بأس بها، ولكن الطرق عندهم سيئة جدا، لهذا ترى هذا المعبر خاليا، الطريق ليست معبدة تماما عندما تمر إلى الداخل.

 

قلت: لا أهتم لذلك أنا سأذهب مشيا.

 

قال: أعرف، العديد مثلك يمرون من هنا، المهم لا تمكث طويلا هنا، واذهب من وراء ال caravan،الشرطة اليونانية لن تهتم، ولكن احرس من الدوريات الألبانية، غالبا ما يفتشون الجبال بمنظارهم.

 

أكملت القهوة، أديته 2يورو، شكرته وودعته، قال ضاحكا:Good luck!!!

 

 سبحان الله عند دخول اليونان والخروج منها ألتقي بيوناني طيب يقدر حالة المهاجر السري ويتمنى له الخير.

 

نزلت مع الطريق المعبدة إلى الأسفل لأن المعبر الحدودي كان يتواجد على هضبة، ثم اتجهت يمينا نحو الواد الجاف، وقفت نظرت يمينا ويسارا ثم بسرعة قطعت الواد وصعدت بين هضبتين أمامي.

 

مدة 20دقيقة وأنا أصعد وأتسلق، وصلت إلى الأعلى واتجهت هابطا نحو الأسفل وأصادف أغنام ومعز ترعى، من بعيد أرى الراعي، هو رجل عجوز جالس ينظر إلي، أطلب الله ألا يشي بي، ولكن لن يصل الشرطة حتى أكون قد بعدت بين الهضاب لأن المكان كان كله جبلي، ما أن بعدت عن الأغنام حتى أرى 3كلاب كبيرة لم أر مثلها في حياتي، أرى هذا النوع فقط في الأفلام، هي كلاب جبلية تحمي المراعي، تملكت نفسي، حتى اقتربت مني، أصعد الجبل وهي ورائي تنبح وأنا خائف أن تثير انتباه الدوريات، لأن المنطقة جبلية نباحها يسمع من بعيد.

 

ما أن تتركني هذه المجموعة من الكلاب حتى تأتي مجموعة أخرى في اتجاهي، لاحظت أن كل مجموعة كلاب تحرس منطقة خاصة بها، وكل مجموعة تنبح حتى تخرجك من منطقتها وترجع، واصلت السير غير مبالي بها، فقط إزداد كرهي للكلاب.

 

في كل مكان تقريبا أرى قبو حربي ( Bunker) وكنت أقترب منه وأتفحصه خوفا من أن تكون الشرطة مخفية فيه، ثم أستريح وأشرب الماء، آكل شوكولاتة،فستق

 

مدة 5ساعات وأنا صاعد وهابط حتى اقتربت من أول قرية، ومن بعيد أسمع صوت المؤدن يؤدن صلاة المغرب، هنا تأكدت أن ألبانيا دولة مسلمة، واطمأنت من سماع الآذان، أحسست كأنني في بلدي.

 

 اقتربت من الطريق ووقفت أنتظر طاكسي لعل تأتي من جهة الحدود، كل المارة تنظر إلي، طلبت الله أن أخلو المكان على وجه السرعة.

 

بعد قرابة نصف ساعة أتت طاكسي واستوقفتها، قلت له: أنا ذاهب للعاصمة تيرانا، قال لي: سأوصلك إلى مكان تمر منها حافلة تأخذك إلى مدينة سراندي Sarande هي أول مدينة كبيرة في الجنوب وهناك تأخد حافلة إلى العاصمة.

 

ثم أضاف إن أردت آخذك بنفسي إلى العاصمة ب150يورو.

 

قلت لا شكرا، ليس لدي المال.

 

الطريق كله سيء، معظمه غير معبد، ولكن أرى آلات وشاحنات تعبيد وإصلاح الطريق.

 

بعد 20دقيقة من السير وقف وأشار إلى  سائق حافلة، وقال إذهب إليه. أعطيته 5يورو وفرح بها وقال شكرا جزيلا!!

 

لأن عملتهم ضعيفة،أورو واحد يساوي تقريبا 150ليكي(Leke).

 

ركبت الحافلة وكل الركاب يحدقون في هذا الغريب(كحل الرأس)، جلست بكل ثقة، أسمع السائق يتحدث بالألبانية، لم أفهم شيئا مما يقوله، لكن إمرأة عجوزة تتكلم معه بصوت عال كأنها تعاتبه عما يقول، ثم تنظر نحوي وتخاصمه حتى سكت، بعد ذلك بتسمت لي وابتسمت أيضا، أظنها كانت تدافع عني، ربما السائق قال شيء سيئ عني.

 

بعد مدة من السير أرى على الطريق نقطة تفتيش للشرطة، أرى نظرات السائق إلي عبر المرآة الأمامية وهي لا تبشر بخير، كأنه يريد أن يقول أمسكتك!!!! اقتربت الحافلة وضغط على الإضاءة الأمامية لينبه الشرطة بالإشارة، لم يكترث له الشرطي وأعطاه إشارة بيده ليمر بسرعة لأن عدد السيارات الموقوفة كانت كثيرة.

 

وقفت العجوزة مرة أخرى وتعاتبه، قلت في نفسي فهمتك يا سيدتي، تدافعين عن شخص لا تعرفينه حتى، ما أطيبك!!!! ابتسمت لي مرة ثانية، وأخذت تفاحة من حقيبتها وأعطتها لي. التفاح شيء عادي في حياتنا اليومية، ولكن في مثل هذه المواقف هو شيئ ثمين، كنت متعبا،جائعا وعطشانا وشعرت عند أكلها أنها ألذ تفاحة أكلتها في حياتي.

 

وقفت الحافلة في وسط المدينة، طلبت من السائق بالإنجليزية كم ثمن الرحلة، وقال غير راض : إذهب إذهب!!! قلت في نفسي شكرا على الرحلة المجانية، ضحكت ونزلت.

 

سرندا مدينة جبلية وساحلية، بسيطة من حيث المباني والمرافق.

 

سألت أحد المارة عن كيفية الذهاب للعاصمة، أشار إلى حافلة في الشارع، واتجهت نحوها، وجدتها مغلقة وطرقت الباب، خرج رجل كان نائما، سألته عن التذكرة وأشار إلى مقهى وقال هناك يبيعون التذاكر، والحافلة ذاهبة على العاشرة ليلا.

 

دخلت وسألت النادلة عن التذكرة قالت لي 1000ليكي، قلت لها هل لديك صرف لليورو قالت نعم أعطيتها 20يورو وأرجعت لي 2800ليكي، أديت لها ثمن التذكرة وجلست لأشرب عصير الليمون، لازم فيتامينات،هههههههههه

 

من الزجاج أرى الشرطة لا تخلو الشارع، تذكرت كلام "منعم"، لهذا لم أخرج من المقهى حتى وصل موعد الحافلة.

 

خرجت وركبت، ويا لها من حافلة قديمة، أظن أن ألبانيا بلد فقير قهرته الشيوعية من قبل. فالشيوعية، كما يقال، لاتصنع شيئا سوى توزيع الفقر في الشعوب.

 

بعد مراقبة التذكرة انطلقت الحافلة، أردت استغلال الوقت في النوم فقط، كنت منهكا ولن أخاطر بحجز فندق بل سأكمل الطريق إلى الشمال ثم إلى مونتنيغرو، لهذا الحل الوحيد هو النوم أثناء السفر.

 

الطريق كان سيئا، خصوصا وأن معظم المناطق كانت جبلية. نمت نوما مستقطعا، كل مرة أستيقظ على مسمع حفرة أو أحجار صغيرة ترتطم بأسفل الحافلة، أراقب الأجواء ثم أعود للنوم. مررنا بعدة نقط تفتيش والحمد لله لم يصعد أحدا.

 

للإستراحة وقفت الحافلة مرة واحدة في منطقة ريفية تحوي مقهى. منطقة معزولة عن العالم. الجو بارد جدا. المرحاض جد متسخ ولا وجود للماء. كل من لم يرني في الحافلة يحدق فيالآن. بسرعة صعدت وجلست في مكاني واستسلمت للنوم.


على الساعة الخامسة صباحا وصلنا العاصمة. الشوارع خالية لا وجود لبني إنسان، فقط بعض الكلاب الضالة. في وسط المدينة ترى مبان حكومية مبنية على الطريقة الشيوعية، كأنك في روسيا مثلا، أوالصين. في جانب آخر ترى مبان جديدة وعصرية. باختصار المدينة جميلة.

 

وقفت الحافلة أمام مقهى. أظنها لشركة النقل، لأنها الوحيدة التي مازالت مفتوحة في هذا الوقت. أشار السائق إلى نهاية الرحلة، ومن أراد الإنتظار يدخل المقهى.

 

المقهى دافئة. كل الجالسين ينظرون بشغف إلى شاشة بلازما كبيرة أمامنا.

 

 بدأت الأخبار. من الصور فهمت أن هذه الفترة هي فترة إعداد لإنتخاب رئيس ألبانيا.

 

الكل مشغول بأخبار الإنتخابات. ألبانيا دولة إسلامية ولكنها علمانية، مثل تركيا.

 

طلبت قهوة مع خبز بالزبدة والمربى. كنت متعبا لم أنم جيدا لهذا بعد جلوسي مدة ساعة من الزمن طلبت redbull . سمعت أنها تزيد من النشاط (خزعبلات!!!) وتعطيك أجنحة أيضا!! تمنيت ذلك لأطير فوق الحدود ههههههه وأنسى هذه الورطة التي أنا فيها.

 

وصلت الساعة السابعة صباحا، أديت ثمن الفطور. ثم سألت صاحب المقهى عن مكان محطة الحافلات. خرج معي من المقهى وأشار إلى لافتة وقوف الحافلة وقال :there,...number3,...number3,..in busstation,...no bus...,minibus...good!! minibus...good!!!n

 

 أراد أن يفهمني أن آخد minibus عند وصولي للمحطة لأنه أرخص ثمنا من الحافلة.

 

شكرته واتجهت نحو نقطة الوقوف.

 

بدأ الناس وبعض التلاميذ في الوصول واحد تلو الآخر لانتظار الحافلة.

 

طال الإنتظار، مرت 20دقيقة ولم تصل بعد، المارة والفضوليون يحدقون.

 

 لم أصبر واستوقفت طاكسي. قلت له: busstation please.

 

وصلنا شارع مليء بالحافلات، أظن أن هذه هي محطتهم، مجرد شارع كبير.

 

 تسمع السائقين ينادون بالإتجاهات،

 

 كأنني في محطة مدينة "إنزكان" أو "ولاد زيان".

 

أعطيت لسائق الطاكسي ورقة من فئة 5يورو لم يبق لي الكثير من العملة المحلية.

 

قال:ok is good!

 

إنتظرت أن يرد إلي صرف لأن الرحلة مدتها 5دقائق فقط.

 

قلت له:give me change "leke" please.

 

قال:no,no,is good!

 

لم أضف كلمة ونزلت.

 

 الله ينعلك البارحة مسافة 20كم وأعطيت لصاحب الطاكسي 5يورو كأني أعطيته ذهبا. ولكن لا مشكلة، أنا مجرد مهاجر سري ولا ورقة إثبات لدي.

 

 و5يورو لن أثير عليها مشاكل تؤدي إلى اعتقالي.

 

سمعت أحد السائقين أمام (سيارة من النوع الكبير، ما نسميه transit) ينادي: !!shkroder!!shkoder

 

هذا هو الminibus وهذه المدينة هي وجهتي وتنطق "شْكُودْرَا".

 

طلبت منه أن يصرف لي 20يورو ثم أديت له 1050ليكي ثمن التذكرة (تقريبا 7يورو، والمسافة أكثر من 200كم!!!! رخيص جدا!! ). جلست في المؤخرة قرب النافذة لأراقب الطريق. مرت نصف ساعة وامتلأت كل المقاعد. إنطلقنا على بركة الله.

 

 خارج العاصمة نقطة تفتيش. الحمد للله مررت دون مشاكل.

 

 نمت مدة 3ساعات حتى وصلنا الوجهة المقصودة. نزلت وسط المدينة.

 

 هي مدينة قديمة شيئا ما، تلاحظ ذلك من مبانيها وشوارعها. ولكن ما لفت انتباهي هو كثرة المساجد بها (فيما بعد سأكتشف أن معظمها مدارس قرآنية للطلبة).

 

ما لفت انتباهي أيضا هو كثرة الفقراء بها، تراهم يجوبون الشوارع بألبسة بالية، وأغلبهم متسولين.

 

جلست في مطعم لأتناول وجبة الغذاء. سمعت آذان الظهر. دخلت مسجدا لأصلي.

 

 بعد ذلك تجولت كل شوارع المدينة تقريبا.

 

 حقيبة يدوية بلاستيكية فيها سروال، معطف، فوطة، حذاء وقارورة ماء.

 

 هذا ما كان عندي منذ خرجت من اليونان.

 

 دخلت إلى وكالة صرف العملات وصرفت 40يورو إلى ليكي (هنا لم أحتج هوية لأنها وكالة وليس بنك) ثم إشتريت كل اللوازم التي سأحتاجها للرحلة؛ حقيبة ظهرية، قبعة شمسية، مظلة، سكين صغير، 2جوارب، صابون، شامبوان، فرشاة أسنان وصابونها، جيل للشعر، 3معلب سمك، 3معلب خضر، فستق، شوكولاتة 2لتر ماء معدني.

 

 لم أنسى شيء، إلا شيئا واحدا، بحثت عنه في كل المحلات التجارية ولم أجده.

 

 هو ما يسمونه بالفرنسية (sac a couchage)، وهو أهم شيء سأحتاجه في الرحلة، للأسف لم أجده.

 

دخلت مقهى إنترنت، وجلست مدة نصف ساعة متصفحا خريطة المنطقة. لاحظت أن أقرب معبر حدودي إسمه Muriqan، ويبعد 15كم تقريبا (في صربيا حكى لي صديق أنه دخل من منطقة إسمها Hani i Hotit وتبعد 40كم عن shkoder، وهي أحسن، حيث اتبع ليلا خط السكة الحديدية). كان الجو بعد منتصف النهار دافئا، والشمس حارقة، عكس جو الصباح البارد. رغم ذلك قررت الذهاب مشيا، لأني لم أرد أن أخاطر بركوب طاكسي إلى الحدود. رسمت المسار الذي سأتبعه على ورقة. خرجت وجهزت حقيبتي على ظهري. الساعة الثالثة إنطلقت. اتبعت الشارع المؤدي إلى الجنوب وخارج المدينة. حتى وصلت نهرا على يميني. ومررت من فوق قنطرة طويلة ضيقة وقديمة. عندما تأتي سيارتان من الجهتين أوفقط شاحنة كبيرة لازم تلتصق أوتجلس على الحاشية حتى تمر.

 

أرى بعض الأطفال الصغار على القنطرة، يستوقفون ويطلبون المال من أصحاب السيارات الأجنبية المارة. لم يصلني أحدا منهم. رغم أن مظهري والحقيبة يوحيان إلى سائح. ربما هؤلاء الأطفال رغم كونهم صغار ولا تجربة لهم في الحياة فهموا أنني مجرد مهاجر سري، وأنني أكثر بؤسا منهم.

وصلت إلى الجهة المقابلة. واتبعت الطريق المعبد. النهر الآن على يساري. يمر الطريق من حي صفيحي صغير يطل على النهر، وأشاهد الأطفال يلعبون في الأزبال. شعرت أن هذه المنطقة غير آمنة (ممكن ألتقي صحاب الحال، شرطة أو لصوص ههه) وأسرعت في خطاي.

تمشيت 1كم حتى وصلت قلعة كبيرة وقديمة مبنية على هضبة صغيرة وهي على يميني. النهر دائما على يساري.

 

 تجنبت الطريق الصاعد نحو القلعة، واتبعت الطريق المحادي للنهر. أرى بعض السياح يستمتعون بالمنظر من أعلى  القلعة. سمعت صوت  ألباني ينادي:

 

 my friend come here!!!1

 

مسكين ظن أنني سائح تائه. بإشارة شكرته وأتممت المسير.

 

وصلت قرية صغيرة. كل من يمر بسيارته يحدق بفضول. بعد عدة أمتار من المشي وقفت. نظرت يمنة ويسرى ولا من قادم. بسرعة دخلت بين الأشجار عن يميني وبدأت في صعود تلة كبيرة، ما زاد من صعوبتها هي الأشجار الكثيفة والحمل على ظهري. بعد مشقة الأنفس وصلت للأعلى وجلست لأستريح وألتقط الأنفاس ثم آكل وأشرب.

 

لكثرة الأشجار لم أستطع أن أرى ما من حولي إلا من بعيد وعلى يميني أرى جبلا كبيرا. تأكدت أنني في الإتجاه الصحيح (تذكرته من الخريطة، وراءه بحيرة كبيرة).

 

واصلت السير صاعدا وهابطا بين الهضاب قرابة 3ساعات.

 

 على هضبة صغيرة جلست في ظل شجرة.

 

 أكلت وشربت آخر قطرة ماء (كان الماء أكبر مشكل صادفته. 5لترات كانت أن تكون كافية، ولكن مستحيل أخذها لثقل حملها!! لهذا اخترت 2لتر ولم تكف)

 

 تسلقت شجرة لأكتشف المكان. من بعيد في جهة اليسار أرى راية منتنغرو وألبانيا ترفرفان، إنه المعبر الحدودي!!

 

على بعد 200متر من المعبر أرى مقهى!!! الشيء الوحيد الذي بادر بذهني هو ملء القارورة بالماء.

 

ترددت، هل أكمل طريقي إلى داخل الحدود؟! أم أغامر باقترابي من المعبر؟ 

كنت عطشانا، وفكرت أنه من المستحيل أن أكمل طريقي داخل منتنغرو دون ماء، خصوصا وأن أقرب مدينة تبعد كيلومترات!!


قررت الذهاب للمقهى لا محالة. نزلت ومررت بين ضيعات خاصة، حتى وصلت إلى الطريق ثم اتجهت صوب المقهى غير مكترث


دخلت لأفاجأ أنها تعج بالشرطة والجمارك!!! فقط ألبانيان من المدنيين.

 

 تمالكت نفسي لكي لا أرتبك، ودخلت المرحاض. ملأت القارورة. وأشبعت عطشي، غسلت وجهي وخرجت. كلهم ينظرون إلي ويتمتمون فيما بينهم بكلمات ألبانية غير مفهومة. لم أستطع الخروج مباشرة لكي لا أثير الشبهات. لأبين لهم أنني سائح ينتظر المرور إلى منتنغرو جلست في طاولة في الجهة الخارجية وطلبت عصير ليمون.

أحضر الناذل العصير وقال بفضول: where are you from ??1

قلت له أنني سائح من هولاندا وأود دخول منتنغرو.

 

فقال: ok is good,i can change you money to euros thats what you will need in montenegro

 

(حسنا، يمكنني أن أصرف لك إلى يورو هذا ما ستحتاجه في منتنغرو/عملة منتنغرو هي اليورو)

 

قلت: ok ,thank you.

 

أخدت ما بقي لي من ليكي وأديت له ثمن العصير والباقي صرفه لي يورو.

 

بعد قليل أراه في الداخل يحدث الألبانيين ويشير إلي. يا له من ثرثار لعين!!

 

ثم أتى أحدهم وجلس قربي. هو شاب في العشرينيات من عمره.

 

 قال بلغة إنجليزية متقنة: هل أنت ذاهب إلى منتنغرو؟

 

قلت: نعم، سأكمل إلى كرواتيا بعد ذلك.

 

قال: حسنا، أترى ذلك الرجل، إنه أبي وسيارتنا هناك، نحن ذاهبين إلى منتنغرو ونود بكل سرور أن ترافقنا ونوصلك إلى أول مدينة بها فندق.

 

قلت: لا، لا شكرا سأتدبر أمري.

وألح علي بحجة أن الطريق خطر الآن مع غروب الشمس، وأن من الجهة الأخرى من المعبر الطاكسيات تقل في هذا الوقت.

 

هو شاب طيب أراد المساعدة، وبعد إلحاحه لم يبق لي إلا أن أخبره أن جوازي قد سرق وأنني سأعبر الحدود سرا.

 

بمجرد أن أخبرته سكت لوهلة وقال: مشكلة! مشكلة! الشرطة في منتنغرو جد صعبة ومعروفة بالضرب والتعذيب. أنصحك ألا تغامر، على الأقل مر من كوسوفو فالحالة أحسن هناك.

 

قلت: لا خيار لدي صديقي.

 

قال: بلى، سأشرح لك ماذا ستفعل. خذ طاكسي هناك (مشيرا إلى موقف سيارات قرب المعبر)، وقل له أن يرجعك إلى المدينة. هناك نم في فندق حتى الصباح واذهب لمدينة إسمها kukes هناك سهل العبور إلى كوسوفو.

 

لقد غير وجهة نظري تماما، خشيت أن أدخل منتنغرو، خصوصا وأني متعب وفي حالة إحباط.(حكى لي الصديق في صربيا أن لا مشكلة في منتنغرو، وأن ما يتداول من أخبار ضرب وإهمال كان في الماضي مع تزامن تفكك الدولة اليوغوسلافية، أما الآن فالكل يريد دخول الإتحاد الأوروبي، ويعاملون المهاجرين السريين معاملة حسنة

 

قلت: هذا ما سأفعله، شكرا يا صديقي على المعلومة.

 

وقال: لو أخبرت الناذل لوشى بك عند الشرطة، فهذه مقهاهم المفضلة.

 

 لا عليك سأخبر أبي أنك غير ذاهب لأنك نسيت شيئا في الفندق. أتمنى لك التوفيق.

 

اتجهت نحو الطاكسي، وأخدني للمدينة، طلبت منه أن يدلني على فندق متوسط الثمن. أخذني إلى فندق إسمه Argenti.أديته 10يورو. دخلت الفندق. عند الإستقبال رجل سمين في الأربعينيات من عمره. حكيت له أنني مسلم من هولاندا وأن جوازي قد سرق وأنني مستعد لأزيده عن ثمن الغرفة.

 

قال: ok,no problem,just wait one minute.1

 

ثم ذهب لينادي أحدا، ظننت أنها خدعة ليتصل بالشرطة.

 

لكن بعد دقيقتين أتى مع رجل كبير في السن وطلب مني 5يورو فوق ثمن الليلة الواحدة الذي هو 10يورو أي المجموع هو 15يورو للليلة زائد وجبة الفطور في الصباح في المطعم السفلي.

 

قال ضاحكا :muzulman,no problem ثم أعطاني المفتاح وصعدت لغرفتي

 

دخلت الغرفة، وضعت حقيبتي التي أتعبت كتفاي طوال النهار دون الوصول لنتيجة. نزعت حذائي لأتفحص باطن قدمي حيث كانتا تؤلماني من كثرة المشي في المسالك الوعرة منذ خروجي من اليونان. تفحصتها لأرى بقع بيضاء كأن هناك أكياس ماء بين الجلد واللحم. آلمتني كثيرا. نزعت ملابسي ودخلت لأستحم كي أزيل التعب قليلا. خرجت واستلقيت على السرير لأحس براحة لم أحس بها في حاتي. تذكرت فراشي في المغرب، والأكلات الشهية المغربية، والحي الشعبي، تذكرت العائلة والأصدقاء. لم أكن أعر اهتماما لمثل هذه الأشياء البسيطة والروتينية، ولكن هنا لها قيمة كبيرة جدا، افتقدت كل ذلك.

 

شغلت التلفاز لتلهيني حتى أنام وأفكر في طريقي غذا كيف سيكون، ولماذا لم أدخل لمنتنغرو؟ ربما الله تعالى لم يشأ أن أمر من ذاك الطريق لسبب ما (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ).

 

 هل فعلا أذهب لكوسوفو؟! هل ما قاله ذلك الشاب صحيح؟!

 

 ما أعرفه عن كوسوفو هي أنها منطقة عسكرية غذا إنشاء الله سأبحث عن مزيد من المعلومات على الإنترنت وأتأكد وأضع خطة محكمة بدأت في قراءة آية الكرسي وبعض السور حتى غلبني النعاس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Rosie O'Donnell feels like the Menendez brothers' 'big sister

    Lyle and Erik Menendez have more than a friend in comedian Rosie O'Donnell. They have a "big sister." O'Donnell is...